من المعروف أنّ المرأة تمتاز برقّة المشاعر، وشفّافية العواطف، ممّا يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية،
لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً.. وإذا كانت تلك الحالة تمثّل الاستعداد الأوّلي في نفس المرأة،
فلا يعني ذلك أنّها تأسر المرأة، وتقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية..
فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوة الإرادة، ونفاذ الوعي، وسموّ الهدف،
أن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة، أمام المواقف الصعبة القاسية..
وهذا ما أثبتته السيدة زينب، في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة، التي صدمتها في باكر حياتها، وكانت هي الختام لسنوات عمرها..
لقد أبدت السيدة زينب تجلداً وصبراً قياسياً، في واقعة كربلاء، وما أعقبها من مصائب.. وإلاّ فكيف استطاعت أن تنظر إلى أخيها الحسين،
ممزّق الأشلاء، يسبح في بركة من الدماء، وحوله بقيّة رجالات وشباب أسرتها، من أخوتها وأبناء أخوتها،
وأبناء عمومتها وأبنائها، ثم تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها،
لتقول كلمة لا يقولها الإنسان إلاّ في حالة التّأنّي والثّبات والاطمئنان،
وهي قولها: اللهمّ تقبّل منا هذا القليل من القربان..
وأكثر من ذلك فهي تصبّر ابن أخيها الإمام زين العابدين، حينما رأته مضطرباً، بالغ التأثّر، عند مروره على جثث القتلى.. ويُعبّر الشيخ النقدي عن
فظيع مصائب السيدة زينب، وعظيم تحمّلها لها، بقوله: وبالجملة فإنّ مصائب هذه الحرّة الطاهرة زادت على مصائب أخيها الحسين الشهيد،
أضعافاً مضاعفة، فإنّها شاركته في جميع مصائبه، وانفردت عنه (عليها السلام) بالمصائب التي رأتها بعد قتله، من النّهب والسلب والضرب وحرق الخيام،
والأسر، وشماتة الأعداء..
أمّا القتل فإنّ الحسين قتل ومضى شهيداً إلى روح وريحان، وجنّة ورضوان،
وكانت زينب في كل لحظة من لحظاتها تقتل قتلاً معنوياً، بين أولئك الظالمين،
وتذري دماء القلب من جفونها القريحة..وأيّ مستوى من الصبر عند السيدة زينب، حينما تصف ما رأته من مصائب،
بأنّه شيء جميل: والله ما رأيت إلاّ جميلاً.
رداً على سؤال ابن زياد لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟!..